ملائكة الأشواق البعيدة |
||||||||
هناك ما يستوقف القارئ في كتاب
«ملائكة الأشواق البعيدة» للشاعرة نجوم الغانم منذ العنوان الخارجي وهو يتعلق
بقضية الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه نصوص الكتاب.
إذ
إن الشاعرة أغفلت على غلاف الكتاب ذكر نوع الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه هذه
الكتابة ما يجعل أفق التلقي عند القارئ مفتوحا على احتمالات تعفي تلك النصوص من
التصنيف والتحديد الأولي. لكن حواشي الكتاب الأخرى أو ما يعرف بالنص الموازي أو
النص الصغير الذي يحيل على النص الكبير وفق تعبير جينيت تأتي لتشكل عتبة قرائية
بالغة الدلالة والإيحاء بمضمون هذه النصوص والتجربة التي تقدمها والتي تتمحور
بصورة أساسية حول علاقة الحب مع الآخر/ الرجل وما تتسم به من شعور طاغ بالغربة
والحزن والشوق، وإن حاولت الشاعرة في نصوصها أن تنوع في استخدام ضميري المفرد
المؤنث الحاضر والمفرد المؤنث الغائب في الغالب وكأنها تستحضر حكايات نساء
تتقاطع معها في المعاني والمضمون والتجربة.
|
قراءة
في عتبات النص
|
في بداية الكتاب
تهدي الشاعرة نصوص هذا العمل(إلى الحياة...حتى عندما تقسو) ما يدلل على مضمون
الرؤية التي تحفل بها نصوص العمل إلى الحياة التي لم تكن رحيمة وطيبة من جهة،
ومن جهة ظلت على الرغم من ذلك تحمل قيمتها الوجودية في ذاتها تعبيرا عن التمسك
بوجودنا فيها وايماننا بالحياة.
|
ثم تأتي الإشارة
في الصفحة التالية لتشير إلى بداية زمن هذه النصوص مع تحديد الوقت واليوم
والتاريخ لكن اللافت فيها هو التزاوج بين اللغة المجازية واللغة التقريرية في
لغة ذلك التقديم الذي يحدد زمن الكتابة بصباح الثامن من ابريل 2005.
|
يحمل عنوان
الكتاب دلالات تنطوي على معنى وجداني عاطفي يدل على التوق الشديد واللهفة، ويمكن
ملاحظة الوظيفة الشعرية لهذا العنوان من خلال تعالقه مع العناوين الداخلية
المحورية وعناوين النصوص، فالعنوان المحوري الأول على سبيل المثال «الصمت ولا
شيء سواه» يوحي بخلاف ما تعبر عنه نصوص هذا العنوان من بوح ومكاشفة وتعبير عن
حالة الغربة والحزن والغياب والفقد الذي تعيشه أنا المؤنث المتكلم، في هذا الخطاب
المسكون بالمرارة والألم والإحساس بالخذلان والفقد في علاقتها مع الآخر/ الحبيب،
إذ يشكل خطاب الحب المخذول والحزين وما ينجم عنه من شعور مرير بالغربة والوحشة
والمكابدة محور هذه التجربة وفضاءها.
|
خطاب
الشوق والفقد والغياب
|
تتباين شعرية هذه
النصوص بين قصيدة وأخرى وفق ترتيب العنونة المحورية فالقصائد الأولى التي يشتمل
عليها العنوان المحوري الأول «الصمت ولا شيء سواه» تتميز ببنيتها القائمة على
الاقتصاد اللغوي الشديد واستخدام مفردات معجم شعري تتكرر في أكثر نصوصها مثل
مفردات المطر والبحر والموجة والعتمة أو الليل والشاطئ والظلال والأشجار:
|
(سأدع كل شيء في
مكانه وحتى الغبار الذي تكدس فوق الأشجار لتعرف هي أيضا/ كم تتألم أجسادنا حين
لا يمسها أحد) بينما نصوص العنوان المحوري «ارتجافات الهواء الموجعة» تتميز
بطولها لاسيما في القصيدة الأولى ذات العنوان الطويل مما يكشف عن التعالق بين
بنية العنوان وبنية النص على مستوى البنية اللغوية والبنية الدلالية إذ يكثف
العنوان مضمون التجربة التي يتحدث عنها النص وهي تجربة الغربة والوحدة التي
تعيشها الذات المتكلمة في غرفة وحيدة موحشة في مدينة استوائية غريبة.
|
في حين تتكرر
مفردات المعجم الشعري كالمطر والليل والأشجار والعتمة والبحر والنهر والحديث عن
الفراق والصمت ومرارة الخيبة وإذا كانت حركة الخطاب على المستوى المكاني تتجه من
الداخل «المكان المغلق ـ الغرفة» نحو الخارج ممثلا بمنظر العصافير وهي تحلق
خفيفة في الفضاء.
|
فإن حركة الخطاب
على مستوى الذات تكون نحو الداخل وعلى المستوى الزمني من الحاضر زمن الخطاب نحو
الماضي الذي هو ماضي الأصدقاء والحب وماضي الماضي المسكون بكل تلك الأحزان
والألم والغياب واللوعة القاسية فالنصوص تقوم التداعي واستعادة الذكريات والوجوه
والحالات والأفكار التي يولدها شعور اللحظة الموحشة بالغياب.
|
وتنفرد نصوص
«ليالي الحنين والعتمة» باستخدام ضمير الغائب حيث يتولى الراوي الحديث عن المرأة
التي تعيش هي الأخرى تجربة عشق مريرة تنتهي بالفقد والهجران ولعل العنوان بما
يحمل من معنى ودلالة يشي بمضمون تلك التجربة التي تتقاطع مع نصوص الكتاب الأخرى
من حيث الحالة والمضمون والمكابدة القاسية بوجعها وغيابه.
|
مفيد
نجم
|
الكتاب: ملائكة
الأشواق البعيدة
|
تأليف: نجوم
الغانم
|
الناشر: المؤسسة
العربية للدراسات والنشر 2008
|
الصفحات: 182
صفحة
|
القطع: المتوسط
|
No comments:
Post a Comment